مصطلح كثر تردده على ألسنة المنافقين من شتى الاتجاهات، وهو مشتق من الوثوق والثقة، وهي تهمة -في نظرهم- وشتيمة بحق من أطلقت عليه – ليتها عيّرت بما هو عار – وتعني هذه الشتيمة والمصطلح الجديد أن “الإسلاميين” أو “الإسلامويين” أو “التقليديين” أو “السلفيين” بل والمسلمين، يثقون بما لديهم من عقيدة وفكر ودين ثقة كاملة، ويرون الحق فيها فقط وأن الباطل في غيرها، فالأصل لدى هؤلاء المنافقين هو “الشك” وعدم الثقة بما لديك من فكر، وأن الحق مسألة “نسبية” تختلف من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، ومن شخص إلى شخص، ومن طائفة إلى طائفة، ومن دين إلى دين، وأن الكل لديه نصيب من الحق؛ فلا ينبغي “احتكار” الحق لدى طائفة أو دين أو مذهب أو شخص أو فكر أو اتجاه.
ويبدو هذا المصطلح أو الشعار براقاً جذاباً؛ لأن هذه يعني “التواضع” والاعتراف بالحق للآخرين وعدم التعصب للرأي أو النفس أو المذهب أو الدين أو الفكر، ولذلك انخدع به عدد كبير من الناس حتى من أصحاب الاتجاهات الإسلامية فبدؤوا بالدعوة إليه وتبنيه ورفع شعاره وتعيير الآخرين به وضرب الأمثلة على ضده من شتى الأمم والحضارات؛ فأحدهم يورد نقد الغربيين لوضع الصينيين للطعام على قبر الميت لأنه لن يأكله فيرد عليهم الصينيون: وهل أمواتكم سيشمون الزهور التي تضعونها على قبورهم؟ ولا ندري ما علاقة انتقاد هؤلاء الضلال لبعضهم بمجادلة صرفنا عن ديننا بحجة عدم “الوثوقية” ونسبية الحق، ولكن هؤلاء يرون أن ما لدى المسلمين من دين وحق وخير وإسلام جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لا يختلف عن أي دين آخر أو مذهب آخر أو رأي آخر، وإلا فما معنى ضرب الأمثال لنا بعدم الوثوق واتهام النفس؟!
بل إنهم يصرحون بدون ضرب أمثلة بتساوي الإسلام مع بقية الأديان والآراء البشرية في أنه إفراز مجتمع بشري وتطور طبيعي لأوضاع معينة، فلو لم يكن كذا وكذا لما ظهر الإسلام، ولهذا يشتمون مخالفيهم بالوثوقية ويرون أنه لا داعي لنقد الآخرين واتهامهم في عقائدهم، لأن لديهم ما لديك؛ بل إن أحدهم في جريدة الرياض يرى أن الغربيين أصحاب عقول متميزة؛ ولو لم يكن دينهم النصراني “متسقاً” ومتماسكاً في بنائه وعقائده لما قبله هؤلاء؛ فلذلك لا داعي لتسفيه دينهم واتهامهم بالضلال، وجهل هذا الجاهل أن عقول الغربيين وإن أبدعت في الجانب المادي بل وتفوقت فإنها في الجانب الفكري والعقدي تتبع أتفه الآراء والنظريات، فستجد الكثير منهم يعتنق عبادة الشيطان والكثير منهم يدعو للعبادة “المونية”وكثير منهم يدعو “اليوغا” التأملية، وستجد عشرات العبادات والمذاهب والأفكار حتى داخل ديانتهم الأصلية “النصرانية”.. فهل هم حجة فيما يأخذون ويدعون؟ وهل يجوز أن يتخذوا مقياساً لصحة الأفكار والآراء والديانات والعقائد لأنهم متفوقون مادياً أو سياسياً أو أو؟!
ونرجع ونقول بكل صراحة وثقة “وثوقية” لا نداري ولا نماري ولا نتردد أن دين الإسلام هو الحق وما عداه هو الباطل تلونت طرقه ومسالكه. وهذا مبدأ أساسي في دين الإسلام وعليه مدار الإسلام والكفر، فمن شك في أحقية دين الإسلام وبطلان غيره فقد خرج من ربقة الإسلام وعليه أن يجدد دينه ويتوب إلى الله، فهو قد دخل مدخلاً خطيراً لا مخرج منه إلا بالتوبة ومراجعة دينه، بل إن الأديان السماوية “اليهودية والنصرانية” لو وصلت إلينا كاملة غير منقوصة صحيحة غير محرفة لوجب علينا وعلى أتباعها الدخول في الإسلام، فكما أخبر الله وقوله الحق {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ }آل عمران19 {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }آل عمران85 وعيسى عليه السلام عندما ينزل في آخر الزمان يأتمّ بأئمة المسلمين ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويسقط الجزية أي لا يقبل من هؤلاء إلا الإسلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرنا أنه “لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي” وفي رواية “موسى وعيسى”..
وهذه أمور لا تحتاج إلى كثير استدلال لأنها من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة ولا يسع أحد الجهل بها وكأننا في زمان انقلبت فيه المفاهيم وأصبح الحق باطلاً والباطل حقاً؛ حتى احتجنا واحتاج غيرنا للاستدلال للبديهيات من كثرة الشبه والانحرافات والتضليل، ولا شك أن استخدام مصطلح “الوثوقية” لذم الواثقين بالإسلام المتمسكين به من هذه الشبهات وهذا هو التضليل.. فالله المستعان.
الشيخ خليفة بن بطاح الخزّي رحمه الله
المصدر:
http://islaamlight.com/index.php?option=content&task=view&id=8258&Itemid=25 |