بسم الله الرحمن الرحيم
قراءةٌ نقدية في كتاب (تاريخ الأدب العربي)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فإن كتاب (تاريخ الأدب العربي) لأحمد حسن الزيات من الكتب التي تداولتها الأيدي وعُني بها الناس، بل إنه أُتخذ منهجاً مدرسياً في العديد من الديار الإسلامية، ومنها الهند على بعدها، إذ يقول الكاتب المعروف أبو الحسن الندوي في كتابه (في مسيرة الحياة)،
الطبعة الأولى 1407هـ، ص120: “ولعل حصة تاريخ الأدب العربي كانت من نصيبي بصورة مستقلة بعد عام، وكان تاريخ الأدب العربي للأستاذ أحمد حسن الزيات مقرراً في الصف السابع السنة العالية الأخيرة، وكان هذا أحب موضوع لدي وأرضاه، فَدَرَّستُ هذا الكتاب باستمرار عدة سنين”. وهذا الكلام من أبي الحسن عن سنة 1934م، مما يدل على انتشار الكتاب منذ زمن بعيد، ووصوله إلى تلك المناطق النائية.
وكثرة طبعات الكتاب دليل آخر على انتشاره واعتماد الناس عليه أفراداً ومؤسسات، فالطبعة في يدي هي الطبعة الثالثة والعشرون، ولم يُكتب عليها تاريخ الطبع، ولكنها في أول الستينيات الميلادية أو قبلها، لأنها وصلت إلى يدي عام 1385هـ، ويذكر في مقدمتها أن الطبعة الأولى لهذا الكتاب تمت قبل خمسة وأربعين سنة، أي أن الكتاب طُبع في سنة 1920م أو قبلها.
أقول إن هذا الكتاب المنتشر المُعتَمَد عليه من قبل الهيئات والأفراد وقعت فيه أخطاء فاحشة يجب أن يُنبه إليها، وأريد في هذا الاستعراض الموجز لهذا الكتاب أن أبين بعض هذه الأخطاء، فلعل الباحثين المتمكنين من هذا الأمر يعيدون النظر في هذا الكتاب وأمثاله التي ألَّفها أشخاص لهم شهرة وقيمة في نفوس الناس مما يجعلهم يتهيبون نقدهم.
وعند إعادة النظر في هذه الكتب التي ألَّفها أصحاب الأسماء اللامعة والشهرة الواسعة سيجد الباحث أخطاءً كثيرة واضحة وسيأخذه العجب، إذ كيف تحصل هذه الأخطاء من أولئك الرجال مع علمهم وتمكنهم؟! ولكن ليس هناك ما يدعو للعجب لأن الكثير من هؤلاء الناس بنوا شهرتهم في غفلة من أصحاب الاتجاه السليم والفهم الصحيح لكتاب الله وسنة رسوله عن هذا الأمر، وعدم اتجاههم إلى دراسة الأدب دراسة صحيحة متقنة متخصصة تغني عن أولئك الدارسين من تلوث فكرهم، وممن نهجوا مناهج الغرب في كل شيء، ولعل الزيات ممن تأثر بالدراسات الاستشراقية في تاريخ الأدب ونقل عنهم الكثير كما فعل طه حسين من قبله ومن بعده، ولعل هذا سَيَظهَر لنا من خلال دراستنا لكتاب (تاريخ الأدب العربي).
وهذه بعض الملاحظات حول كتاب (تاريخ الأدب العربي) أحمد حسن الزيات، الطبعة23:
أ- التقسيم الأدبي للعصور تبعاً للعصور السياسية.
ب- السطحية وعدم التعمق في مباحثه المختلفة.
ج- عدم تحليل الآثار الأدبية وبيان العوامل المؤثرة.
وهناك ملاحظات متناثرة في داخل الكتاب نشير إليها فيما يلي:
1- يقول ص9: «وإذن فمعاني الحضارة والرأي العام والارستقراطية والديمقراطية والإقطاع لا ألفاظ لها عند العرب والساميين جميعاً. والنظام العسكري حتى بعد الإسلام كان غير ثابت ولا منظم…».
2- يقول في ص29: «ولفظ الشعر من “شير” العبرية بمعنى الترتيلة أو التسبيحة وقولهم إلى الآن: أنشد الشعر بمعنى ألقاه يؤيد ذلك».
3- يقول ص 81: «فقد كان ظهور الإسلام في ذلك الحين نتيجة محتومة لتلك الحال ونقضاً صريحاً لتلك الحياة».
4- يقول ص 84: «وشيوع الغناء والشراب والغزل في مدن الحجاز….». «……. وهذا يفسر لنا بقاء الشعر الأموي على نمط الشعر الجاهلي في طريقته وطبيعته دون أن يتأثر بروح الإسلام لا قليلاً ولا كثيراً، إذ كان جمهور الشعراء يصدرون عن البادية ويعبرون عن نوازع العصبية في الأحزاب والقبائل».
5- يقول ص85: «وخضع العرب لهم “أي الأمم المغلوبة” خضوعاً عقلياً وجنسياً باقتباس مدنيتهم وعقليتهم وجنسيتهم من طريق المجاورة والمصاهرة والاسترقاق، وكان من ذلك التفاعل هذا الامتزاج العجيب الذي تولدت منه العلوم الشرعية والفنون الأدبية والحضارة الإسلامية التي طبقت الأرض ومهدت رقي الإنسان الحديث».
6- يقول ص86: «القرآن أول كتاب دُون في اللغة العربية فدراسته ضرورية لتاريخ الأدب لأنه مظهر للحياة العقلية والحياة الأدبية عند العرب في أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع».
7- ويقول في ص86-87: «وباعتباره معجزة الرسول تحدى به العرب أن يأتوا بسورة من مثله، تورع المسلمون عن أن يقلدوه فراراً من تهمة المعارضة وتنزيهاً لكلام الخالق أن يتشبه به كلام المخلوق».
8- يقول في ص93: «فنسخوا تلك الصحف في مصحف واحد ورتبوا سوره على الطول والقصر».
9- يقول ص95: «والأحاديث التي صحت عن رسول الله قليلة».
10- ويقول ص95: «أما الحديث فلم يُدون إلا في منتصف القرن الثاني للهجرة، وكان قبل ذلك إنما يُروى من الذاكرة، والذاكرة كثيراً ما تخون، فناله من تغيير الكلمات واختلاف الروايات أكثر مما نال الشعر الجاهلي».
11- يقول ص96: «وقد قال لقرطبة بن كعب ولمن حوله من الصحابة حين خرجوا إلى العراق….». ولا أدري من المقصود بالرجل وهل هي غلط طباعي.
12- يقول في ص 96: «فكان من جراء ذلك الخوف “أي خوف عمر بن الخطاب من تدوين السنة” هذه الفوضى التي شوهت جمال الدين، وموهت حقائق التاريخ وساعدت على نشر الفتنة، ولم يفطنوا إلى درئها إلا حين استفحل الشر وانتشر الأمر وأصبح الطب لدائها مستحيلاً».
13- يقول ص97: «وليس من شك في أن الوضَّاعين كانوا يقلدون أسلوب الرسول ويتوخون استعمال اصطلاحاته وكلماته حتى لا تجد بين أكثر الأحاديث إلا فرق ما بين صدق النسبة إلى الرسول وكذبها، هذا من جهة الشكل، أما من جهة الموضوع فإن الأحاديث الصحيحة كانت طريق العلم والإرشاد، والأحاديث الموضوعة كانت طريق الرأي والاجتهاد لأنها آراء فردية اجتهادية نسبها أصحابها إلى الرسول لتحل من قلوب الناس محل الثقة، فكانت طريقاً لبسط الفقه وتهذيب الخلق ونشر الثقافة ونشوء الرأي المجتهد بجانب السنة الصحيحة في التشريع».
14- يقول ص99: «أما أبو هريرة فأكثر الناس حديثاً عن الرسول حتى بلغ ما رواه أربعة وسبعين وثلاثمائة وخمسة آلاف، أكثر لفظها وأسلوبها له وإن كانت جارية على أسلوب السنن».
15- يقول ص99: «وانتقل الشعر إلى الإسلام فلم يجد منه قبولاً حسناً ولا صدراً رحيباً مخافة من عصبيته وجاهليته على وحدة المسلمين وألفة العرب، فظل ينافق كالأعراب وهواه كله في البادية».
16- يقول ص100: «فلم يكن بد من تأثر الآداب العربية بالآداب الأعجمية والعقلية الآرية وأظهر ما يكون هذا التأثر في اللغة والتشريع والأخلاق والشعر والرسائل والقصص».
17- ويقول ص101: «والتشريع تأثر في تفاصيله بفقه الرومان، والأخلاق اعتمدت كثيراً على نقل من حكم اليونان عن طريق السريان».
18- يقول ص103: « ولكن شعراء العرب وقفوا موقف الحياد والتربص ينتظرون نتيجة المعركة بين التوحيد والوثنية وبين الديمقراطية والارستقراطية».
19- يقول ص104: «والأشبه بالحق أن نقرر ما أشرنا إليه من قبل وهو أن الشعر العربي ظل في الجاهلية والإسلام واحداً في مظهره وجوهره ونوعه حتى أواخر عصر بني أمية».
20- يقول ص105: «وكلها تدور على الزعامة والإمامة، فمن كان سيداً في الجاهلية يريد أن يكون سيداً في الإسلام كأن العرب لم يفهموا من الدين الجديد إلا أنه طريق إلى السلطان وسبيل إلى الغلبة والثروة والحكم ليس غير. ولعلك تذكر أن بعضاَ من شيوخ القبائل كقيس بن عاصم والأحنف بن قيس كانوا يعرضون على الرسول أن يدخلوا في دين الله لا على أنه الدين الحق بل ليكون لهم الأمر من بعده».
21- يقول ص105: «فلما ولي الأمر عثمان وحنثت اليد المصرفة فسندتها يد أخرى وتشتت الرأي فلم يصدر عن الخليفة وحده، وحكم آله الناس بعصبيتهم الأموية لا بقوميتهم العربية، وكان المسلمون يومئذ قد أفاءت عليهم الفتوح والمغانم والثراء إلى حد البطر فاستيقظت الفتنة وقامت الثورة وانتهت بمقتل عثمان، وتجدد الخصومة على أثر ذلك بين علي ومعاوية».
22- ص108: «يعيد الكلام المكرر حول الحجاز وانتشار الترف والغناء والغزل فيه….»
23- كلام غريب عن الأدب في الشام وركوده لاستقراره السياسي وولائه لبني أمية.
24- يقول ص130: «ورث علي بن أبي طالب بحكم مولده ومرباه مناقب النبوة ومواهب الرسالة وبلاغة الوحي وصراحة المؤمن…» ويكثر الكلام حول شعر الشيعة بالأطايل عنه.
25- يقول ص134 عن الخوارج: «ويرون أن العمل جزء من الإيمان». وهذا كما هو معلوم رأي أهل السنة والجماعة.
26- يقول ص153 عن حسان رضى الله عنه: «ثم سكنت عوامل الشعر في نفسه بسماحة الدين وموت الأحقاد وتقدم السن فما كانت تتحرك إلا ذياداً عن النبي ودفاعاً عن الأنصار من حين إلى حين. ولكن كثيراً من شعره في هذا الطور كان خشيباً، فكثر به السقط وقلت فيه الجزالة».
27- يقول عن عمر بن أبي ربيعة ص 158: «فزهدت كرائم الأسر في أداء هذه الفريضة خشية منه».
28- ص 165 نسب قصيدة هذا الذي تعرف البطحاء وطأته إلى الفرزدق جازماً بذلك.
29- يقول ص 185: «فلما لحق الرسول بربه كان علي يرى أنه أحق بخلافته لمكانته من شرف القرابة والصهر، فلما بايع المسلمون أبابكر وقام بعهده من بعده عمر وأخطأته الشورى إلى عثمان فأوصى الجرّة ثم سالمها متحاملاً في كل ذلك على نفسه…».
30- ص 186 يكثر الكلام ويبالغ في وصف خطابة علي رضى الله عنه فيقول: «وخطبه في الحث على الجهاد ورسائله إلى معاوية ووصفه الطاووس والخفاش والدنيا وعهده للاشتر النخعي -إن صح ذلك– تعد من معجزات اللسان العربي وبدائع العقل البشري….». ثم يقول في الصفحة التي تليها ص187: «والصحيح أن أكثر ما في هذا الكتاب “أي نهج البلاغة” منحول مدخول….».
31- ص 269 يقول عن أبي العتاهية: «وكان لبق اللسان مذبذب الرأي معتل العقيدة لاضطرابه في الآراء وتلونه في النحل… وكان بعض الناس ينسبه إلى إنكار البعث محتجاً بأن شعره إنما هو في ذكر الموت والنفاد دون ذكر النشور والمعاد، وعلى الجملة فالدراس لحياة الرجل يراه مضطرب المزاج غريب الأخلاق مذبذباً في نسبه وحبه وعلمه وعقيدته».
32- يقول عن أبي نواس ص274: «ووصف الخمر وصفاً لو سمعه الحسنان لهاجرا إليها وعكفا عليها».
33- يقول عن ابن الرومي: «إنه جمع إلى تعمق الآريين في الفكر تفوق الساميين في الخيال».
34- يقول عن المعري ص307: «واتصلت أسبابه ببغداد بجماعة من الفلاسفة الأحرار كانوا يجتمعون في كل جمعة في دار أبي أحمد عبدالسلام بن الحسن البصري أحدهم فأثر خلاطها في عقله وأدبه».
35- يقول في أبن سيناء: «أخذ بمبادئ أرسطو ولم يُفتن في دينه ولم يشك في يقينه إلا أنه كان أبيقورياً مستهتراً».