بسم الله الرحمن الرحيم
المرأة في نظر الجاهليات المختلفة قديماً وحديثاً
أولاً: عند اليونان:
كانت محتقرة لديهم حتى سموها رجساً من عمل الشيطان، ومن الوجهة القانونية فقد كانت المرأة لديهم كسقط المتاع، تُباع وتُشترى في الأسواق وهي مسلوبة الحرية والإرادة في كل ما يرجع إلى حقوقها المدنية، ولم يُعطوها حقها في الميراث، وأبقوها طيلة حياتها خاضعة لسلطان الرجل من جميع الجوانب المالية والزواج والطلاق، ويكفي قول فيلسوفهم الكبير سقراط للتدليل على سقوط مكانة المرأة لديهم: “إن وجود المرأة هو أكبر منشأ ومصدر للأزمة والانهيار في العالم، وأن المرأة تشبه شجرة مسمومة ظاهرها جميل ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالاً”.
ثانياً: عند الرومان:
قيَّد القانون الروماني حق البيع بثلاث مرات، فإذا باع ابن ثلاث مرات كان له الحق في التحرر من رب الأسرة، أما البنت فكانت تظل خاضعة لرب الأسرة ما دام حياً، وكانت سلطة الأب على أبنائه وبناته تمتد حتى وفاته مهما بلغ سن الأبناء أو البنات، كما كانت له سلطة على زوجاته وزوجات أبنائه وأبناء أبنائه، وكانت هذه السلطة تشمل البيع والنفي والتعذيب والقتل، فكانت سلطته سلطة مُلْك لا حماية، ولم يُلغَ ذلك القانون إلا في عهد جوستنيان سنة 565م.
وكان رب الأسرة هو مالك كل أموالها، فليس لفرد فيها حق التملك، وأما الأهلية المالية للبنت فليس لها حق التملك وإذا اكتسبت مالاً يُضاف إلى أموال رب الأسرة، وإذا مات رب الأسرة يتحرر الابن إذا كان بالغاً، أما الفتاة فتنتقل الولاية إليها على الوصي ما دامت على قيد الحياة.
وإذا تزوجت الفتاة أبرمت مع زوجها عقداً ليس عقد السيادة، وبذلك يفقد رب الأسرة سلطة الأبوية على ابنته وتنتقل هذه السلطة إلى الزوج، وتعتبر المرأة فاقدة للأهلية الحقوقية في القانون الروماني.
ثالثاً: عند البابليين:
دائماً يتكلم الجهلة عن قانون حمورابي البابلي ويرون فيه مثال العدالة في عصور قلَّت فيه العدالة، فماذا يقول هذا القانون عن المرأة؟ كانت المرأة في قانون حمورابي تحسب في عداد الماشية المملوكة، حتى أن من قَتَلَ بنتاً لرجل كان على هذا الرجل القاتل أن يُسلم بنته ليقتلها أو يملكها.
رابعاً: عند الهنود:
لم يكن للمرأة في شرائع الهنود حق في الاستقلال عن أبيها أو زوجها أو ولدها، فإذا مات هؤلاء وجب أن تنتمي إلى رجل من أقارب زوجها وهي عندهم قاصرة طيلة حياتها، ولم يكن لها حق الحياة بعد وفاة زوجها، فمما يدل على وفائها لزوجها أن تُحرق معه وهي حية، واستمرت هذه العادة إلى قبل مائتي سنة فقط، ولكنها بقيت فعلاً وإن أُلغيت قانوناً.
وينتشر الآن بين الهندوس في الهند إحراق الزوجات، وذلك بسبب تأخر والدها عن دفع بقية المهر إلى الزوج لأن الزوجة أو والدها هو الذي يدفع المهر، وتقول الإحصائيات أن الذي يُحرَقُ من الزوجات الآن سنوياً في العاصمة وحدها يتجاوز ثلاثمائة امرأة.
وكانت تُقدَّم قرباناً للآلهة لترضى أو تأمر بالمطر أو الرزق. وجاء في شرائعهم: ليس العبد القذر، والريح، والموت، والجحيم، والسم، والأفاعي، والنار أسوأ من المرأة.
خامساً: عند اليهود:
ونريد باليهود، اليهود المنحرفين المُبدِّلين لشرائع الله، فهم يرون البنت بمنزلة الخادم، وكان لأبيها الحق في بيعها، وما كانت ترث عند اليهود إلا إذا لم يكن لأبيها ذرية من البنين، وإذا آل الميراث إليها لعدم وجود الوارث الذكر لم يَجُز لها أن تتزوج من سبطٍ يهودي آخر غير سبطها.
واليهود يعتبرون المرأة لعنة، لأنها في نظرهم أَغْوَت آدم، وقد جاء في التوراة: “المرأة أمرُّ من الموت، وأن الصالح أمام الله ينجو منها رجلاً واحداً بين ألفٍ وجدت، وأما المرأة فبين كل أولئك لم أجد”. واليهود يعتبرون المرأة الحائض نجسة نجاسة تامة، فلا يسمحون لها أن تمس شيئاً من الطعام أو الشراب أو أثاث البيت، بل إن بعضهم يطردها من البيت وقت الحيض.
سادساً: عند النصارى:
صُدِم رجال النصرانية الأوائل لمَّا رأوا انحلال المجتمع الروماني ودور المرأة في ذلك، فقرَّروا أن الزواج دَنَس يجب الابتعاد عنه، وأن العَزَب أكرم عند الله من المتزوج، وأعلنوا أن المرأة باب للشيطان، وأنها يجب أن تستحي من جمالها لأنه سلاح إبليس للفتنة والإغراء.
قال (ترتوليان) وهو من رجال النصرانية الكبار عن المرأة: “إنها مدخل الشيطان على نفس الانسان، ناقضةٌ لنواميس الله، مُشوهةٌ لصورة الله أي الرجل”، وقال (سوستام): “إنها شر لا بد منه وآفة مرغوب فيها، وخطر على الأسرة والبيت، ومحبوبة فتَّاكةً ومصيبة مطلية مُموَّهةٌ”.
وفي القرن الخامس اجتمع مؤتمر نصراني للبحث في مسألة، هل المرأة مجرد جسم لا روح فيه، أم لها روح؟ وأخيراً قرَّروا أنها خُلو من الروح الناجية من عذاب جهنم، ما عدا أم المسيح.
وعقد الفرنسيون بعد دخولهم في النصرانية مؤتمراً في سنة 586م للبحث في مسألة: هل المرأة إنساناً أم غير إنسان؟ وأخيراً قرروا أنها إنسان خُلقت لخدعة الرجل فحسب.
ويقول (بولس) مؤسس النصرانية: “إن المرأة منبع الخطيئة، وأصل كل شر، ووراء كل إثم، ومصدر كل قبيح”. ويقول (بونا ننتور) لتلاميذه: “إذا رأيتم امرأة فلا تحسبوا أنكم رأيتم كائناً بشرياً، بل ولا كائناً وحشياً، إنما الذي ترونه هو الشيطان بذاته”.
سابعاً: عند العرب الجاهليين:
إذا نظرنا في حالة المرأة عند العرب قبل الإسلام وجدنا أنها مهضومة الحقوق، فليس لها حق الإرث، وليس لها على زوجها أي حق، وليس للطلاق عدد محدد، ولا لتعدد الزوجات حد معين، ولم يكن لها حق اختيار زوجها إلا عند بعض أشراف العرب، وكانوا يتشاءمون من ولادة الأنثى، كما أثبت القرآن الكريم ذلك، وكانت بعض القبائل تئد البنات إما خشية العار أو خشية الفقر، والأرجح أن قريشاً لم تكن فيها هذه العادة، ومما يدل على سوء وضع المرأة أنواع الزواج المنتشرة عندهم وهي:
الزواج المعهود لدى الناس جميعاً، ونكاح الاستبضاع وهو يبحث الرجل عن رجل بارز في قومه زعيم أو فارس أو شاعر، فيدع زوجته عنده حتى تحمل وذلك للبحث عن نجابة الولد كما يَدَّعون، وأن يجتمع الرجال دون العشرة فيدخلون على المرأة فيعاشرونها، فإذا وضعت ولدها استدعتهم جميعاً وقالت هو ولدك يافلان فلا يملك الرفض، ونكاح البغايا صواحب الرايات، فإذا ولدت أتوا بالقائف فألحقه بمن يريد ممن اتصل بها، وكل هذه الصور من النكاح موجودة في صحيح البخاري رواية عن عائشة رضي الله عنها.
وكذلك نكاح الشغار، ونكاح المتعة، ونكاح البدل بين الزوجين بتبادل الزوجات، ونكاح المقت (الزواج بالميراث).
ثامناً: المرأة في جاهلية أوروبا المعاصرة:
تعتبر الحضارة الأوروبية وريثة للجاهليات اليونانية والرومانية في جميع توجهاتها ومبادئها، ومنها ورثت النظرة إلى المرأة أنها متاع دنيوي، وكذلك ورثتها في استلاب حقوقها، وقد يستغرب السامع لهذا الكلام، ولكن الحقائق التالية تدلل ما نقوله:
لما قامت الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي أُعْلِنت كثيراً من حقوق الإنسان، ولكن قوانين الثورة نصَّت على أن المرأة ليست أهلاً للتعاون دون رضا وليها وإن كانت متزوجة، وجاء في النص على أن القاصرين هم: الصبي والمجنون والمرأة، واستمر هذا الأمر إلى عام 1938م ولا زال فيه كثير من القيود على تصرفات المرأة.
ولا ننس الإشارة إلى أن القانون الانجليزي ظل يبيح للرجل بيع زوجته، وقد حدد لها ثمناً يسيراً، واستمر ذلك إلى سنة 1805م، وبقيت المرأة إلى سنة 1882م محرومة من حق الملكية، وإلى منتصف القرن التاسع عشر كان تَعلُّم المرأة سِبَّةً وعاراً في الغرب، وفي هذا القرن ما زال أجر المرأة يَنقُص عن أجر الرجال بمقدار كبير، وإذا تزوجت المرأة في الغرب فقدت اسم عائلتها وأصبحت منسوبة إلى زوجها مباشرة حتى إن اسمها يُلغى فيقال السيدة (فلان) لزوجها.
وقد نشرت مجلة التايم في 26 مايو 1980م مقالاً تقول فيه: “إن حركة حقوق المرأة المتكافئة قد خسرت الأصوات في ولاية ألينوي، وإن عليها أن تحاول في الأعوام القادمة لعلها تفوز”.
ولا تزال المرأة إلى الآن لا تتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل، ولا تأخذ نفس الأجر الذي يأخذه ولا ترث قليلاً ولا كثيراً، وتدل الإحصائيات الدقيقة التي نُشرت في وسائل الإعلام الغربية على أن أعلى نسب ضرب الرجال لزوجاتهم إنما هو في أمريكا والغرب عموماً، ولا ننخدع بإظهار الرجل الخضوع للمرأة وإكرامها واحترامها في المحافل العامة، فما هذا إلا ستار يخفي وراءه الكثير من المصائب، فالغرب الآن لم يُعطِ المرأة من الحقوق إلا حق التبذل والتعري وعرض نفسها لتكون متناول يده متى شاء.
واستغلها للدعاية والإعلان لكافة السلع والمنتجات حتى الأحذية وأنواع الحمامات، وجعلها بائعة في الأسواق والمتاجر لتكون عنصر جذب للزبائن، فإذا فقدت ميزة الجاذبية استغنى عنها لأسباب كثيرة، ولم يبالِ بخدماتها السابقة.
وإن انتشار تجارة الأعراض والرقيق الأبيض عند الغربيين لهو الدليل القاطع على أن نظرتهم إلى المرأة إنما هي نظرة استمتاع وتجارة. وإن معاملة الرجل الغربي لابنته إذا بلغت السادسة عشرة تدل على تفكك الأسرة وضياعها، فيرميها والدها في عرض الشارع لتكسب قوتها بنفسها مع ما في ذلك من مخاطر على عرضها ونفسها فتقع فريسة للذئاب المتربصة، وما أكثرهم في مجتمع الغرب.