بسم الله الرحمن الرحيم
(ماذا يراد بهذه الأمة؟)
أ- إثبات حقيقة عداوة اليهود والنصارى للإسلام: ماذا يراد بهذه الأمة؟
يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (آل عمران:100-101)، ويقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (آل عمران:١٤٩)، ويقول تعالى: وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة:217)، ويقول سبحانه وتعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ (البقرة:109)، ويقول سبحانه وتعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (البقرة:120)، ويقول الله تعالى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ (النساء:89)، ويقول سبحانه: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (الصف:8).
ب- ماذا يراد بهذه الأمة:
1- يراد بها إضلالها عن دينها من خلال التشكيك والدس والعلمنة والتنصير.
2- يراد تمزيقها إلى قوميات ووطنيات وإقليميات، بل وقبليات متناحرة يأكل بعضها بعضاً، وضَرْبِ معاني الأخوة الإسلامية وتحطيمها من خلال تعميق هذه المعاني والضرب على أوتارها، وإشعال غرائز الكره والبغض بينها، ولن يَعْدَمَ الأعداء أسباباً لذلك.
3- يراد تحطيمها وتدميرها عسكرياً حتى تبقى عاجزة عن الدفاع عن نفسها محتاجة للأعداد في كل صغيرة وكبيرة من أمورها، وذلك من خلال متابعة التصنيع العسكري في أي بلد مسلم بصرف النظر عن وضع قيادته ولو كانت في أشد أنواع الضلال، وافتعال الأزمات والحروب التي تدمر القوى العسكرية وتتيح الفرصة لهم لتدمير قوى الأمة.
4- يراد لها أن تبقى متخلفة اقتصادياً، منهكة عاجزة عن أي إنتاج مثمر نافع، مثقلة بالديون لا تكاد تجد قوت يومها، والوسائل لذلك كثيرة منها الاشتراكيات والحروب والسياسات الحمقاء والتبذير والخيانة والسرقة من مال الأمة وانتشار الربا.
5- يراد لها أن تبقى متخلفة سياسياً تحكمها سلطات مستبدة ظالمة تكبت الحريات، ليس فيها مجال لحرية الكلمة، ولا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا لحرية الانتخاب، ولا لحرية الصحافة والنشر، يراد لها أن يحكمها فرد أو طبقة أو طغمة عسكرية أو أسرة تحكمها بما تشاء وتريد، بصرف النظر عن إرادتها وانتمائها.
6- يراد لها أن تكون منحلَّة فاسدة ينتشر فيها الخمر والمخدرات والزنا والسرقة والقتل وكافة الجرائم، وذلك من خلال التساهل في تطبيق الشريعة الإسلامية، ومن خلال السياحة الخارجية والداخلية والتأثر بأنماط الحياة الغربية، ومن خلال وسائل الإعلام الفاسدة كالصحف والمجلات والإذاعة والتلفاز والفيديو والمسرح والسينما، ويعرف العدو أن أفضل وسيلة لتدمير أمة من الأمم هو نشر الانحلال والفساد فيها، والتاريخ القديم والحديث شاهد على ذلك، ويؤيده قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ (الإسراء:16).
7- يراد لها الإذلال النفسي وحب العدو والركون إليه بوسائل متعددة، منها الإذلال العسكري واستغلال هذه الفرصة للقيام بأعمال إنسانية ظاهراً، كعمل أمريكا مع الأكراد، فإنها هي التي صنعت الأزمة وأوصلتها إلى ذروتها بأسلوب خبيث، ثم دخول شمال العراق بصفة منقذ.
ومنها التيئيس والإحباط والتركيز على أن الأمة عاجزة عن القيام بأي عمل في وجه العدو، وذلك من خلال إظهار تفوق العدو العسكري والتكنولوجي على الأمة، وإظهار أن الأمة لا أمل لها في مقاومة هذه القوى الرهيبة.
ومن أبرز الأمثلة على هذا الإذلال والتحطيم النفسي محاولة فرض الأمر الواقع بوجود الدولة اليهودية في فلسطين، والاعتراف بها من خلال الإيحاء بأن مقاومة الوجود اليهودي حمق وعدم واقعية، وأن منطق العقل يفرض على الإنسان أن يعترف بواقعه وعجزه من مقاومة من هو أقوى منه، والذي يقوم بهذا الأمر هو الإعلام العربي، بل الإعلام الخليجي ممثلاً بجرائد كثيرة … [بدون استثناء] التي تتحدث عن الحل السلمي ومبادلة الأرض بالسلام وكأنه غاية المنى، وأنه عين العقل والحكمة، وتُشكر أمريكا على جهودها في هذه القضية، ومن هذه الجرائد جريدة الشرق الأوسط ومجلة المجلة التي تنشر المقالات الكثيرة المتتالية بهذه المعاني، بل إن مجلة المجلة في أحد أعدادها نشرت المقال الرئيسي لها حول الجدوى من معاداة الغرب، وغداً ينشرون المقالات حول الجدوى من محاربة اليهود، وأن الحروب لا تأتي إلا بالدمار والخراب والفقر والضيق الاقتصادي، وأن السلام سيكون مردوده الرخاء والتقدم والغنى، وهذا ما أشار إليه ملك المغرب قبل أكثر من عشر سنوات عندما قال ما معناه: “إنه إذا اجتمع المال العربي الخليجي مع اليد العاملة العربية مع الخبرة التكنولوجية اليهودية، فستكون المنطقة جنة من الجنان”.
وهذا مما خَدَعَ به … السادات الشعب المصري حين صَوَّر لهم أن السلام سيأتي لهم بكل خير، وها هي مصر بعد أكثر من خمسة عشر عاماً من السلام مع اليهود لم تزدد إلا فقراً وضيقاً اقتصادياً يكاد يصل إلى حد المجاعة، وقد حاول الأذناب الذين يسيرون في ركاب السياسة الساداتية أن يصوروا أن سبب الفقر في مصر هو الحروب المتصلة مع اليهود، وأن مصر قد بذلت ما عليها، وينبغي أن تستريح من العناء وتتفرغ لإحكام شعبها.
وستردد هذه المعاني جميعاً تمهيداً للسلام العام مع اليهود، ويُقدم الغطاء الديني لها على قاعدة السادات الذي كان يردد دائماً قول الله تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ (الأنفال:61).
8- يراد لها أن تكون متخلفة علمياً، وذلك من خلال سياسات التعليم الخاطئة وعدم تشجيع المواهب، وعدم بذل المال والجهد في البحث العلمي وفتح أبوابه لشباب الأمة.
9- يراد إشغالها بالتفاهات من رياضة وفن حتى لا تنهض من كبوتها، ولا يتفرغ شبابها لمعالي الأمور، وذلك من خلال تشجيع هذه الأمور وإبرازها إعلامياً بشكل مكثف.
10- يراد إفناؤها وإبادتها مادياً وجسدياً إذا استعصت على الوسائل الأخرى. يقول الله تعالى: ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ (التوبة:10)، ويقول سبحانه: ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ (التوبة:8).
ج- هل حقق الأعداء ما يريدون؟:
استطاع العدو أن يحقق كثيراً مما يريد من هذه الأمة، ولولا أن الله قد وعد بحفظ هذا الدين لاستطاعوا محوه، لاسيما أن المسلمين قد تركوا واجبهم وغفلوا عن مقتضيات السنن الإلهية ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.. ﴾ (الرعد:11)، ومن الأمور التي نجح الأعداء في القيام بها مباشرة أو بواسطة من اتبعهم ممن ينتسب إلى الإسلام:
1- إبعاد الشريعة الإلهية القرآنية المحمدية في أغلب مجالات الحياة، والأمثلة على ذلك لا تُعد ولا تُحصى.
2- إضلال كثير من طوائف المسلمين سواءً بإخراجهم من دينهم إلى النصرانية كما هو الحاصل في كثير من أطراف بلاد الإسلام، أو بإخراجهم من الإسلام وتركهم بلا دين كما قال أحد المنصرين: “اتركوهم حيارى لا مسلمين ولا نصارى”، وكما قال أحدهم: “إننا لا نريد إخراج المسلمين من الإسلام وادخالهم في النصرانية لأن هذا شرف لا يستحقونه، ولكن نريد أن يخرجوا من الإسلام فحسب..”، والأمثلة على ذلك موجودة [في كل مكان] …. فيوجد من لا يؤمن بالله ورسوله ويكفر بدين الإسلام ويعلن إلحاده.
3- تمزيق بلاد المسلمين إلى دويلات متناحرة متشاكسه ووضع الحدود المصطنعة بينها، وصنع الأنظمة السياسية التي تتبنى هذا الوضع وتدافع عنه وتعمق وجوده في قلوب الناس، فنشأت كيانات هزيلة وضعها يُضحك الثكلى ويدمي قلوب المؤمنين، ونشأ عن ذلك أيضاً وقوع قسم كبير من المسلمين تحت قبضة الكفار مباشرة، كما في الهند والصين والاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا وفلسطين وغيرها من الدول التي توجد فيها أقليات مسلمة مضطهدة، أو أكثرية مسلمة تخضع لحكم الكافر مباشرة مثل الحبشة وتنزانيا وغيرها.
4- ينتشر الفقر والمجاعة في أغلب بلاد الإسلام، وهي كذلك بلاد متخلفة غير منتجة اقتصادياً وغير متقدمة تكنولوجياً.
5- تعيش الأمة المسلمة في أغلب مناطقها فوضى اجتماعية ومشاكل اجتماعية لا تُحصى، نتيجة للجهل وسوء التربية، فانتشرت الجرائم وانتشر الفساد والخمور والمخدرات حتى ليصل ذلك إلى حد الوباء، كانتشار المخدرات في باكستان وإيران ومصر، وكذلك نتيجة للتأثر بالمعطيات الغربية للحياة وطرائقها.
ومع كل هذه المصائب وغيرها التي حلت بالأمة والتي استطاع العدو بمعونة المسلمين تحقيقها فإن هذه الأمة لن تموت ودينها لن يموت لأنه دين الله الذي وعد بانتصاره عندما قال سبحانه: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (الصف:8-9).
ووعد بانتصاره على لسان نبيه عندما قال: (لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحقِّ ظاهرين, لا يضرُّهم من خالفَهم حتى يأتيَ أمرُ اللهِ) (صحيح الجامع للألباني، 1773) وهو حديث مشهور متواتر.
وما رواه الإمام أحمد بإسناد جيد عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله يقول: (لا يبقى على ظهر الأرض بيت مَدَرٍ، ولا وَبَرٍ، إلَّا أدخله الله كلمة الإسلام، بِعزِّ عَزِيزٍ، أو ذُلِّ ذَلِيلٍ، إمَّا يُعِزُّهم الله، فيجعلهم من أهلها، أو يُذِلهُّم، فيدينون لها) (المسند للإمام الأحمد، ج6/ص4). وقد رواه الإمام أحمد بسند آخر عن أبي تميم الداري قال: سمعت رسول الله يقول: (ليَبْلُغن هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله هذا الدِّين، بِعِزِّ عَزِيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر) (المسند للإمام الأحمد، ج4/ص10)