حرب المصطلحات

20 أكتوبر، 2016 1290 عدد الزوار

(حرب المصطلحات)
الشيخ خليفة الخزي

المصدر: موقع الرس إكس بي XB، الرابط التالي: http://www.alrassxp.com/forum/t63267.html

الحلقة الأولى
مقدمة
تدور حرب شرسة بيننا وبين عدونا على كافة الجبهات العقدية والسلوكية والاجتماعية والثقافية والفكرية والعسكرية ومع خطورة الصراع العسكري بيـــننا وبين عدونا وأهميته فإن الصـــراع الأخطر هو الصراع العقدي والفكري، والثقافي .
أولاً: لعدم التكافؤ بيننا وبين عدونا في المجال العسكري.
وثانياً : لأهمية حرب العقائد والأفكار وأثرها في حسـم الصراع وعــدونا يدرك أهمية حرب العقائد والأفكار ويقدرها حق قدرها ويضع لها الخطط والاستــراتيجيات والــوسائل التنفيــذية ويضعها في أولويات خططه إضافة إلى تفوقه العسكري، بينما نحــن المسلمين لا نــولي هذا الجانــب الكثير من الاهتمام إضافة إلى ضعفنا العسكري والسياسي.
ومن جوانب الحرب الفكرية والعقدية بيننا وبين عدونا قضية المصطلحات وأهميتها تكمن في تركيز الفكرة والعقيدة المعينة في كلمة واحدة أو عدة كلمات قصيرة والاعتماد على تــــكرارها والـتأكيد عليها حتى تصبح جزءاً من الثقافة العامة ويمكن تمرير مفاهيم عديدة من خلالها، ولو تأملنا العديد من المصطلحات الشائعة لوجدنا أنها تعبر عن أفكار سياسية أو عـقدية أو ثقــافية عميقة تسللت إلى ثقافتنا وأصبحت جزءاً منها وهي تحمل هذه الأفكار المخالفة لعقيدة المجــــتمع وثقافته .
ولنتأمل مثلاً : مصطلحات مثل : الشرق ـ الغرب ـ التقدم ـ التأخر ـ الشرعية الدولية ـ
التعصب ـ التسامح ـ التطرف والاعتدال ـ التطورـ الجمود ـ التغيير ـ العالمية ـ حرية الرأي ـ آحادية الرأي ـ الانغلاق ـ الوسطية ـ نسبية الحق ـ الثقافة العالمية ـ المرونة ـ الواقـــعية ـ المثــالية ـ الماضوية ـ المستقبلية ـ الإرهاب ـ الاستعمار ـ الحضارة ـ الرقي ـ التخلف … وغـــيرهـا من عــــــشرات المصطلحات التي يستخدمها العدو الكافر أو أتباعه من المنافقين لوجدنا أنها تحتوي على ألغام متفجرة تهدف إلى زحزحة المسلم عن دينه وعقيدته وإدخاله في دائرة الاستلاب والاندماج الثقافي في حضارة العدو القاهرة المتغلبة.
وإن من واجب علماء المسلمين ومفكريهم ودعاتهم أن يهتموا بتحرير هذه المصطلحات وبيان ما تنطوي عليه من تضليل وأن يحرصوا على استعمال المصطلحات الشرعية التي استخدمها علماء خير القرون وتحرير الأمة من عبودية مصطلحات أعداء الله والإنسانية فإن هذا جزء من الجهاد الذي كلفوا به وحملوا أمانته ” لتبيننه للناس ولا تكتمون ” .
ولعلي في الحلقات القادمة أن ألقي الضوء على بعض هذه المصطلحات وخطورة المفاهيم التي تحملها مع أنها تبدو في ظاهرها بريئة وحيادية.
***
الحلقة الثانية (نسبية الحق)
“نسبية الحق” مصطلح كثر استعماله أخيراً على ألسنة العلمانيين وأصحاب الاتجاهات المتميعة المنتسبة إلى الإسلامية، ويُقصد به أن الحق قضية نسبية، ولا يستطيع أحد الزعم بأن الحق المطلق لديه، وأن ما لدى الآخرين خطأ، بل ويرى واضعو هذا المصطلح أن الكل بلا استثناء يملك جزءاً من الحقيقة، وتبعاً لذلك لا ينبغي لنا أن نثرِّب على أحد، ولا نخطِّئ أحداً؛ فلا ننتقد الخارجي، ولا المعتزلي، ولا الرافضي، ولا المرجئ، ولا العلماني، ولا اليهودي، ولا النصراني، ولا البوذي؛ لأنهم يمتلكون جزءاً من الحقيقة، كما يمثِّل المسلم السني جزءاً منها. والنتيجة المنطقية لذلك ضياع معالم الحق، وإحقاق الباطل، وإبطال الحق، وإدخال الناس في دائرة الشك وعدم الثقة بأية حقيقة، وانتزاع الصوابية المطلقة من الإسلام، ومن منهج أهل السنة والجماعة، والدخول تبعاً لذلك في دائرة عدمية تصل إلى أفكار أكبر الحقائق وأوضحها. ولعلنا هنا ننبه إلى أن بعض المناهج الفلسفية وصلت إلى التشكيك في رؤية العين التي لا شك فيها.
وقد يستدل بعض المحتجين بهذا المصطلح بكلام الإمام الشافعي رحمه الله: “كلامي صواب يحتمل الخطأ، وكلام غيري خطأ يحتمل الصواب”. والحق أنه لا حجة لهم في هذا الكلام وما شاكله؛ لأن هذا الكلام صدر من إمام من أئمة الإسلام يقصد به إماماً آخر لا يقل عنه علماً وفقهاً وديناً. وهذا أمر مقبول من الخلاف بين علماء الإسلام فيما يرِد فيه الخلاف. أما فتح الباب لتصويب الآخرين وإقرارهم على باطلهم باسم نسبية الحق، فهي جريمة منكرة بحق هذا الدين الذي ارتضاه الله لعباده، وأرسل به نبيه صلى الله عليه وسلم، وجاء فيه النص القرآني: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام} (آل عمران: 19). {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران:85). وبيَّن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أن “الحق هو ما أنا عليه وأصحابي وأن الأمة تفترق على ثلاثة وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة”.
***
الحلقة الثالثة (الشرق)
يتردد على آذاننا كثيراً كلمة الشرق – الأوسط – الأدنى – الأقصى. حتى أصبحت جزءاً من تفكيرنا وأصبحنا نتبادلها بسهولة وكأننا لا نجد لها بديلاً ولا نفكر في الأبعاد التي يحملها هذا التعبير وأصبحت من المسلمات التي لا نفكر بالتخلص منها، مع أننا لو تأملنا في هذا المصطلح لوجدنا أنه من صنع عدونا وأنه ناشئ من نظرة عنصرية عدوانية ترى في أوروبا مركز العالم وأن المناطق تسمى بأسمائها قياساً على موقعها الجغرافي أو الثقافي أو العقدي من أوروبا ولذلك نراهم يطلقون على استراليا أنها بلد غربي مع أنها في أقصى الجنوب الشرقي ويطلقون على الأمريكتين أنها غرب لأنها غرب أوربا ويطلقون على أوروبا غرب مع أنها شرق أمريكا فالقضية سياسية عقدية ثقافية وترى شمال أفريقيا المسلم يدخل في دائرة الشرق الأدنى كما يسمونها مع أنها جنوب قارة أوروبا فهذا التصنيف منطلق من هذه النظرة العدوانية العنصرية التي تحتقر الآخرين وتزدري حضارتهم ودينهم.
بل إن أمريكا أول وصول الأوروبيين إليها يسمى أهلها الهنود ظناً من الغازي الأول أنه وصل إلى الهند وبعد معرفة الأوروبيين بأن هذا بلد جديد وليس هو الهند نجدهم يواصلون تسمية أهل البلد، بالهنود الحمر تمييزاً لهم عن الهنود السمر ويعاملونهم أسوأ المعاملة التي تصل إلى إبادة الجنس البشري.
إذاً فالقضية تنطوي على أبعاد عنصرية وقومية تزدري غير الأوروبي وتنظر إليه نظرة استعلائية وأن الحياة الحرة الكريمة هي حصر على الجنس الأبيض وأن بقية الشعوب يجب أن تخضع لهذا الجنس وتصبح عبيداً له وتندمج في ثقافته وحضارته ودينه ومن هنا نشأ ما يسمى بالاستعمار وهو مصطلح آخر من المصطلحات المضللة الناشئة من هذه النظرة الدونية للآخرين.
قد يقول قائل : إن هذا أمر طبيعي وهذه نظرة كل أمة غالبة مسيطرة إلى الأمم المغلوبة وأنه في فترة قوة الحضارة الإسلامية كنا ننظر إلى الشعوب الأخرى نفس النظرة ونصنفهم نفس التصنيف ونقول إجابة لهذا السؤال، إن المسلمين لم يحتقروا أحداً بسبب جنسه وموقعه بل إنهم ازدروا الكفر الذي ازدراه الله ورسوله، وأمرهم بمحاربة الكفار حتى يسلموا أو يعطوا الجزية ومع ذلك لم يسلبوهم حقوقهم ولم يقوموا بإبادة الجنس البشري بل قاتلوا من قاتلهم وأبقوا على حياة الآخرين وحقوقهم مع أنهم كفار فشتان بين النظرة الدونية التي ينظر بها الأوروبي الأبيض إلى غيره بناءً على اللون العنصري وبين عدالة الإسلام وعالميته التي أقامت وحدة إنسانية بين عشرات الشعوب والألوان والعناصر في اندماج لم يسبق له مثيل ولم يأت له شبيه في تاريخ البشرية.
ومن المهم هنا التنبيه على أن هذه المركزية العنصرية الأوروبية ضاربة في أعماق التاريخ الأوروبي فاليونانيون وهم صناع الحضارة المتقدمة التي تبني أوروبا عليها لهم والعدالة والديمقراطية والحرية شأن خاص بالشعب اليوناني الخالص لاحق للآخرين في التمتع به.
والحضارة الرومانية التي تلت حضارة اليونان تسير على نفس النمط فلا ترى في غير الرومان إلا برابرة ولا ترى لهم أي حق من الحقوق ويكفي أن نذكر أن من متع الرومان المنتشرة مجالدة العبيد بالسيوف لبعضهم أمام الجماهير الرومانية الهائجة المستمتعة بهذه المشاهد الدموية بل ومجالدة العبيد للوحوش الكاسرة في هذه المسارح ولما دخلت أوروبا النصرانية كان ذلك مجرد قشرة تستر مركزيتها وعنصريتها وأصبحت تنظر للآخر بأنه ” كافر” الذي لا يؤمن بالمسيح وتستبيح دمه وماله وعرضه وأرضه تبعاً لذلك والحرب الصليبية شاهد واضح على ذلك.
فلما جاء ما يسمى بعصر النهضة الأوروبي استعادت أوروبا مركزيتها العنصرية والثقافية السابقة مبقية على عنصر التعصب الديني والاستعلاء الحضاري الجديد.
ولعل من أوضح الأدلة على المضمون السياسي الخطير لهذا المصطلح أن قضية المسلمين الأولى “فلسطين ” اختزلت في مفهوم الإعلام الأجنبي بل والعربي الإسلامي تبعاً لذلك إلى مشكلة ” الشرق الأوسط” فأفرغت من مضمونها الإسلامي العربي إلى مجرد مشكلة إقليمية بين الفلسطينيين واليهود تقبل المساومة والتنازلات المتبادلة ولعل هذا من أسباب وصول قضية فلسطين المحتلة إلى هذا الضياع التام وانعدام الاهتمام من قبل الأمة بهذه القضية.
إذاً فمصطلح الشرق يحمل داخله مضموناً عقدياً عنصرياً استعلائياً نحو الآخرين فعلينا أن نحرص على عدم استعمال هذه المصطلح وعلى إماتته واستبداله بمصطلح علمي دقيق نابع من ديننا وعقيدتنا وثقافتنا مثل: عالم الإسلام – بلاد الإسلام – أرض الإسلام – أو تسمية البلاد والمناطق بأسمائها التاريخية المعروفة : جزيرة العرب – بلاد الشام – مصر – أفريقية – فارس.

التعليقات

بدون تعليقات حتى الآن.

إكتب تعليقاً

الإسـم

بريـدك

موقعك الإلكتروني

أكتب تعليقك