مقال: جوانب من حياة فقيد الرس أبي محمد الشيخ خليفة الخزي رحمه الله. للشيخ صالح بن ساير المطيري

27 يوليو، 2016 1673 عدد الزوار

جوانب من حياة فقيد الرس أبي محمد الشيخ خليفة الخزي رحمه الله

 

بقلم : صالح بن ساير المطيري

المصدر: الرس إكس بي، الرابط التالي: http://www.alrassxp.com/forum/t285400.html

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :

في ليلة خمس وعشرين من شهر رمضان لعام 1436هـ غادر هذه الحياة الفانية شيخ عزيز علينا بعد معاناة من المرض نسأل الله أن يكون ما أصابه تكفيرا لسيئاته ورفعة في درجاته وهو الشيخ الفاضل أبو محمد خليفة بن بطاح الخزي رحمه الله رحمة واسعة وجمعنا به في مستقر رحمته، ووفاء بحقه فهذه كلمات متواضعة أحببت أن أسجلها. وهي كلمات جالت في الخاطر وأنا أعيد ذكريات استمرت قرابة الثلاثين عاما هي كل معرفتي بالشيخ رحمه الله . وهي في حقيقة الأمر جوانب واضحة بالنسبة لي في حياته ، أرى أهمية إبرازها وتوضيحها . فأنا ـ هنا ـ لن أكتب ترجمة للشيخ ولا رصداً لحياته العلمية أو الدعوية فإني أترك هذا لمن يعرف الشيخ كثيراً ممن هو أجدر مني بالكتابة عنه لكنني أحببت أن أسجل بعض الجوانب التي أرى أنها جوانب مضيئة في حياة الشيخ أدركتها من خلال معرفتي للشيخ وصحبتي له وأهدف من هذه الكلمات إلى عدة أمور منها:

 

الوفاء للشيخ رحمه الله فله على أصحابه ومحبيه حق يجب أن يوفوا له به ، ومنها أن فيها دروساً وعبراً لنا كدعاة إلى الله ، وللأجيال من بعدنا ليعرفوا جوانب من حياة الدعاة إلى الله وبذلهم أوقاتهم وجهدهم في خدمة هذا الدين.

 

الشيخ رحمه الله في نظري – ولا أزكي على الله أحداً- مدرسة متكاملة في عدة جوانب منها:

الأول: الثبات على المبدأ: فالشيخ رحمه الله عاش مرحلة عصفت بالأمة فيها فتن كثيرة وتحولات عظيمة جرفت معها أناسا وتغيرت قناعات وحصلت تنازلات ومراجعات وتساهلات. والشيخ رحمه الله ثابت على مبدأ واحد لم أر في حياته تراجعات ، بل كان ينافح عن دينه ومبدأه بثبات لأنه ينطلق من أصول ثابتة لديه . عاصر الشيخ كثيرا من الفتن والأزمات التي مرت بالأمة فعاصر في الخمسين الماضية نشاط التوجهات الشيوعية والناصرية والقومية والبعثية وكان له معهم صولة وجولة ينافح عن المنهج السلفي الحق . وعاصر في هذا الأزمنة التوجهات التغريبية والليبرالية والتكفيرية وكان همه وشغله الشاغل كشف هذه الأفكار وتعريتها وفضح أصحابها.

الثاني: اهتمامه البالغ بأمور المسلمين ومتابعة أخبارهم وتحليلها والنظر فيها من خلال قناعاته التي يستمدها من رصده ومتابعته الدقيقة الناقدة، حتى وهو في مرضه لم ينشغل عن المتابعة والرصد ….. وعند الشيخ رحمه الله قدرة فائقة في دراسة التاريخ والإفادة منه في تقويم الواقع وفهمه.

 

الثالث: الصبر والجلد: الشيخ رحمه الله أعطاه الله صبرا وجلدا قلما تجده عند الكثيرين فقد مر بفتن ومصائب شتى كان آخرها مرض السرطان الذي مات به فكان يعاني ولكنك تجده صابراً كأنه لا يحس بشيء وفي الزيارتين الأخيرتين مني له قبل رمضان كان المرض والألم بادئاً عليه ، ونبرات صوته ضعيفة ومع ذلك يحمد الله ويشكره ، ويطرح ويناقش ويحاور وينقد ويبين . ……

 

الرابع: الشيخ قاري نهم قراءة راصدة ناقدة: الشيخ أعجوبة في نهمه في القراءة ـ وليست أي قراءةـ بل قراءة راصدة ناقدة محللة، متعددة التوجهات سواء: سياسية في أحداث العالم ومتابعته لذلك ، أو فكرية بشتى تنوعها أو غير ذلك، يقرأ في الكتب والصحف، والشبكة العنكبوتية، ويتابع برامج حوارية في القنوات، وربما شارك في غرف البالتوك وغيرها، ومن شدة رصده ومتابعته للمستجدات كثيراً ما نذهب إليه أنا وغيري لنجد عنده الجديد، ومن شدة محبته للقراءة يقول أحد تلاميذه كنت في معرض الكتاب الأخير فوجدت الشيخ مع شدة مرضه في المعرض مع أحد أبنائه ـ حتى أني كدت لا أعرفه من شدة ما يجدـ وكان مستغلاً إحدى زياراته للمستشفى في الرياض للمرور على المعرض وكان يشري كتباً كأنه لا بأس به.

 

الخامس: بعد النظرة وشموليتها وعمق التفكير: الشيخ رحمه الله يتميز ببعد نظرته وشموليتها مما حباه الله من سعة اطلاع وبحث وقراءة وكنت تأتيه بتصور معين بذلت فيه جهداً فيسمع منك ويحاورك وإذا به يفتح أمامك آفاقاً في النظرة والتصور أبعد بكثير مما كنت تفكر فيه. وبناء على هذا العمق في التفكير وبعد النظرة فالشيخ رحمه الله صاحب رؤية مستقبلية في أحداث كثيرة. أتيته مرة متضايقا من أوضاع العالم الإسلامي وكل يوم نرى جرحاً جديداً فقال بحزم: أعلى دين الله تخاف ؟ أم على نفسك ؟ فدين الله منصور لا خوف عليه لكن دعنا نفتش في أنفسنا وأحوالنا هل نحن نستحق نصراً أو تمكيناً أم لا؟ ثم طرح صوراً من تاريخ الأمة وما مر عليها من نكبات ثم كيف خرجت منها وتجاوزتها ؟. أقول بصراحة أن هذا الموقف أعطاني درساً حقيقياً في النظر إلى الأمور.

 

السادس: سعة الإطلاع والبحث: يبهرك الشيخ في هذا الجانب فما أذكر أني سألته عن شخصية قديمة أو معاصرة أو كتاب أو توجه أو فرقة من الفرق أو منهج من مناهج الدعوة إلا وجدت عنده شيئاً. وسعة اطلاعه كانت قديمة جدا يذكر لي في إحدى الجلسات معه يقول في مرحلة المتوسطة كنت أرعى غنما لوالدي ومعي الراديو لا يفارقني استمع فيه وأتابع الأخبار . تجده في التاريخ بحراً وفي الفكر والسياسة مرجعاً ومصدرا وفي مناهج الدعاة وأساليبهم خبيرا وكان يختصر لك في جلسة معه عناء بحث طويل في التاريخ والفرق . فهو بحق رحمه الله موسوعة متكاملة متحركة على الأرض.

 

السابع: جرأته في قول الحق والصدع به: كان رحمه الله جريئاً في قول الحق إذا تبين له صريحا في طرحه ونقاشه صادعاً بقول الحق لا يجامل في ذلك أحداً ولو كان أعز أصدقائه . فكان رحمه الله يقول هذا دين الله لا نقبل فيه أي مساومات أوتنازلات ، أو مجاملات حتى لو ذهبت فيه رقابنا.

 

الثامن: اهتمامه بتصحيح الفكر واتباع نهج السلف: فهو يحارب وبقوة لا هوادة فيها ـ في كتاباته وجلساته وأحاديثه كلها مع أي أحد ـ أي انحراف عن جادة الصواب ومنهج سلف الأمة سواء ما ينزع إلى الفكر الإرجائي التمييعي أو الفكر المستغرب الداعي إلى تغريب الأمة والقضاء على ثوابتها ومسلماتها تحت عنوان التسامح والوسطية أو فكر الغلو والتكفير والخروج عن الجادة وله مقولة : ” الدواعش واللبراليين وجهان لعملة واحدة ” . وكان يدعو إلى تحرير منهج السلف وضبط أقوالهم ومواقفهم في ذلك . وكان له مع الشيوعيين والناصريين في مرحلة من مراحل عمره صولات وجولات.

ومن منافحته في تصحيح الفكر كشف خطورة أولئك الداعين إلى حرية الرأي المطلقة وحرية العقيدة وإلغاء حد الردة وكشف عوارهم وإطلاقهم لعبارات حق أرادوا بها باطلا كقولهم : لا كهنوتية في الإسلام ويمكن أخي القارئ الرجوع إلى كتابه الليبراليون الجدد في الفصل السادس حول هذه القضايا وكيف كانت منطلقات خطيرة وصل بها الحال إلى الدعوة إلى امتثال طريق الغرب العلماني في ذلك.

 

التاسع: اهتمامه بكشف التوجهات التغريبية والليبرالية ومتابعتهم بدقة ورصد كتاباتهم وأطروحاتهم ونقدها بشكل منقطع النظير لا يكل ولا يمل في ذلك رحمه الله .. كان هذا همه وشغله الشاغل لما يرى من خطورتهم على الأمة فاسمع إليه يقول رحمه الله : (( وفي زماننا هذا كثرت الأهواء والانحرافات والبدع والضلالات التي أضيفت إلى البدع السابقة والفرق المنحرفة التاريخية، مستمدة منها كثيرا من الضلالات مضيفة إليها أهواء وانحرافات جديدة تختص بهذا الزمان، الذي غلبت فيه الأمم الغربية الكافرة وتمكنت فيه من رقاب الأمة ، وحاولت خلال القرنين الماضيين التأثير على الأمة بشتى السبل والطرق : التنصير والإخراج عن الدين صراحة، أو التأثير الفكري والعقدي الذي يهز ثقة المسلم بدينه وأمته ويجعله مسخاً لا تعرف له سبيلا ، وتمكن هؤلاء الأعداء ـ مع الأسف ـ من التأثير على أجيال متعددة من الأمة في أماكن متعددة ولا ينكر تأثير هؤلاء إلا جاهل أو خائن للأمة يريد فصلها عن سواء السبيل ويخدعها عن واقعها المؤلم ، أو مندمج في هذا التأثير معجب به ويرى أنه الحق والصواب ويدعو الناس إليه بكل سبيل ممكن ، ويسفّه رأي من يكشف عواره ويبين انحرافه ….. فرأينا رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده والأفغاني وعلى عبد الرازق وغيرهم يرفعون راية الإصلاح كما يزعمون ويدعون الأمة إلى طرق ومسالك تؤدي إلى ضياع الأمة وإضعاف مقاومتها للعدو ، بل تؤدي إلى ضياع دين الأمة واستبداله بفكر الغرب وسلوكياته فأصبحوا عونا على أمتهم وأداة في يد الأعداء يفكك بها مقاومة الأمة واستعصائها على العدو ……. ثم يأتي جيل جديد من هؤلاء المتلبسين بالدين ويرثون فكر السابقين ويروجون له ويدعون إليه ويبنون عليه البنايات الفكرية الخطيرة التي تؤدي إلى العلمنة بشكل أو بآخر …)) الليبراليون الجد 8ـ9

 

ثم قال رحمه الله مبيناً خطورة هذه التوجهات الخطيرة : ((ومن خلال المتابعة للإعلام المحلي لا سيما الصحف ومنذ زمن ليس بالقصير رأيت هذا الفكر الملبس المضلل يظهر في هذه البلاد الطاهرة امتداداً لكل الانحرافات السابقة وتجاوزاً لها من أشخاص أكثرهم من أهل هذه البلاد وأكثرهم ـ إن لم يكن كلهم ـ كانوا في مرحلة من مراحل حياتهم من أصحاب التوجهات الإسلامية سواء كانت سلفية أو جهادية أو إخوانية أو متقلبة بين هذه الاتجاهات وغيرها . ثم رأيت هذا الأمر يتفاقم ويتطور ويشكل مدرسة متكاملة لا تترك أمراً من شؤون الدين صغيراً أو كبيراً إلا دخلت فيه وأدلت فيه برأيها الذي يغلب عليه الضلال والانحراف عن منهج السلف لذلك كله رأيت التوجه لرصد هذا التيار وتتبع ما ينشرون من كتب ومقالات في الصحافة وفي الشبكة العنكبوتية وفي برامج القنوات الفضائية فهالني مدى الإنحراف وكمه فواصلت السبر في رصد هذه الظاهرة وتتبعها ……… )) الليبراليون الجدد 10

 

وكان رحمه الله يدعو إلى تنقية مذهب السلف مما ألصق به من إرجائية مقيتة تصور للناس أن السلفية منهج ضعيف لا تملك مشروعاً تنمويا وإنما هم دراويش. كما يحارب الغلو والتطرف الذي يخرج عن طور التوسط والاعتدال وهذان الفكران الخطيران يعيثان في الأمة فساداً عريضا. فأخذ على عاتقه محاربة هذين التوجهين بالدعوة إلى الوسطية الحقة المستمدة من قول الله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس … }. وفي تحرير المصطلحات نافح رحمه الله عن هذه الوسطية ، ورد على من أراد أن يفهم الناس بأن الوسطية قبول الرأي الآخر أياً كان توجهه ومنطلقه وله في ذلك محاورات كثيرة.

 

الشيخ بسبب هذا الجهد وكشف هؤلاء وأمثالهم أصبح له مبغضون وشانئون لكنه لم يلتفت إليهم ولم يهتم بهم ولم يدخل معهم في مهاترات وإنما هو مستمر في كشف هذه الأفكار الخطيرة وأصحابها مدركاً خطورتهم على دينهم وبلادهم ووحدة صفهم وجمع كلمتهم. ويرى أنهم هم أول من يطعن في نسيج الوطن الذي يزعمون أنهم ينافحون عنه فلا وطنية حقة لشخص تنكر لدينه ومبادئه وثوابته التي قامت عليها بلاده.

 

العاشر: بيته منتدى للنخب الفكرية والدعوية يؤمه من يعرفه ليستفيد منه. فكان يفتح بابه ضحى الخميس سابقا ثم بدله بضحى السبت ـ بعد تغير الإجازة ـ يستقبل زواره ومحبيه. وفي هذا المجلس كثيراً ما يوجه له السؤال من الحاضرين عن مستجدات العالم الإسلامي وتحليله لما يجري، وكانت الإجازات منتديات في بيته يحضر فيها نخب فكرية من الزملاء والأصدقاء والمحبين والطلبة يتداول فيها المستجدات وأمور العالم الإسلامي ويطرح الشيخ رؤيته ويعلق ويجيب ويناقش ويدعم رأيه بما يتابع ويرصد ولم يتوقف رحمه الله رغم مرضه وعجزه، فما توقف إلا في بداية شهر رمضان عند اشتداد المرض به وعجزه نهائيا.

حادي عشر: تواضعه وعدم اهتمامه بالأضواء: الشيخ رحمه الله يتسم بالتواضع وعدم التكلف في شيء. وكان بعيداً عن الأضواء التي سحبت الكثيرين فهو داعية بصمت، لم يهتم بالبروز الدعائي ولا الأضواءـ ولو أراده لحصله ـ. وفي بعده عن الأضواء إلا أنه مستوعب كل ما يطرح في الساحة متابعاً له ناقدا بصيرا، فالذي أعرفه أن الشيخ ما دخل عالم التواصل الاجتماعي من تويتر وفيسبوك وغيره مع إلمامه المنقطع النظيرـ فهو يترك ذلك حرصاً على وقته ويقول لا أجد نفسي في ذلك ولست بحاجة إليه ـ . ومن تواضعه رحمه الله كان يحرص على الاستفادة حتى من طلابه يقول أحد طلابه فاجأني الشيخ بمسودة كتابه الليبراليون الجدد وقال طالعه وأعطني رأيك فقلت له ماذا يعني رأيي فقال: كل يستفاد منه فلقد كان رحمه الله مؤثراً إيجابياً بلا ضجيج. ومع كل هذا الجهد والمشاغل إلا أنك متى ما أردته وجدته فهو يبذل وقته رحمه الله لإفادة الآخرين ولا يعتذر ما وجد لذلك سبيلا. وهو يشارك زملاءه وأهله وأقاربه ومحبيه في دورياتهم ولقاءتهم ومناسباتهم. ولم يضق وقته عن ذلك. والكل يستفيد منه ويحرص على مجلسه.

 

هذه كلمات جالت بخاطري أحببت أن يشاركني فيها القارئ الكريم سائلا الله سبحانه وتعالى أن أكون وفقت فيما قلت، وما سجلت هنا. وهي وجهة نظري تجاه الشيخ رحمه الله ، أرى أنها جوانب مهمة في حياته من خلال معرفتي له رحمه الله. ذكرتها وفاء بحق الشيخ ولعل فيها من الفوائد ما نحتاجه.

غفر الله لشيخنا أبي محمد وأدخله فسيح جناته وجمعنا به في مستقر رحمته وجزاه عن ما قدم لدينه وأمته خير الجزاء.

ومما نظنه إن شاء الله من عاجل بشرى المؤمن ما قرأناه وشاهدناه بعد وفاته من ثناء عليه ونشر لفضائله ومآثره من داخل البلاد وخارجها.

اللهم أغفر له وارحمه واكرم نزله ووسع مدخله وثبته على القول الثابت عند السؤال وأخلف له في ذريته خيرا .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .

 

صالح بن ساير المطيري

الرس . الثلاثاء 27 / 9 / 1436

 

المقال بملف وورد:

جوانب من حياة فقيد الرس أبي محمد الشيخ خليفة الخزي – صالح الساير

 

المقال بملف pdf:

جوانب من حياة فقيد الرس أبي محمد الشيخ خليفة الخزي – صالح الساير

 

التعليقات

بدون تعليقات حتى الآن.

إكتب تعليقاً

الإسـم

بريـدك

موقعك الإلكتروني

أكتب تعليقك